تقف المعارضة الوطنية اللبنانية ،أمام مفترق مفصلي بعد سنوات من الصراع السياسي والعدوان الإسرائيلي في 2006 والعدوان الأميركي المستمر، المتمثل بالتدخل المباشر بالتحالف مع محور الإعتدال العربي، فإما ان تستكمل المعارضة مشروع الربح السياسي بعدما فقدت أحد ركائزه المتمثلة بالإنتخابات النيابية ،مما هدد المشاركة الحقيقية في إدارة السلطة ، عبر خسارة الثلث الضامن، الذي يمثل الحارس للقضايا الشعبية والوطنية ، والذي يمنع المراسيم التي تحاصر منظومة العيش الإجتماعية والسياسية والأمنية، مترافقة مع خسارة الصوت التشريعي وإقرار القوانين التي تنظم أيضا الإدارة العامة ومصالح الناس، لأن الاكثرية تمتلك الصوت المرجح في المجلس النيابي ،مما يسلب المعارضة التأثير الإيجابي على المستويين التشريعي والتنفيذي، ويفقدها الموقع الصالح ، لحفظ مصالح الناس، وبالتالي فإن الربح الحقيقي يأتي عبر المشاركة بالثلث الضامن.
الخيار الثاني هو الصمود السياسي والشعبي، بحيث تتخلى المعارضة عن المشاركة الشكلية الفارغة المضمون، وتطبق مكرهة ما ينادي به أقطاب الأكثرية بدعم من البطريرك صفير بالديمقراطية المجردة، لتكون السلطة للاكثرية ،مما يلزم المعارضة بأن تتمسك بالرأي العام والشارع لإحداث توازن بين السلطة ،مقابل الجمهور العام ومطالبه المعيشية، خاصة أن الواجب والأخلاقي والديني للمعارضة، يحتم عليها أن تقدم مصالح الناس على أمالها السلطوية لأن جوهر فلسفة المعارضة أن السلطة هي لخدمة الناس وتحقيق مصالحهم، فإذا كانت المعادلة ،تفرض مقايضة اللقب بحقوق المواطنين، فإن المعارضة محكومة بالإنحياز إلى الناس والتخلي عن المواقع الهزيلة و الغير فعالة.
ولذا فإن واجب المعارضة الإلتفات إلى ما يقوله الجمهور العام سرا ،حفظا للمعارضة والمقاومة، وحرصا على عدم نشر الغسيل غير النظيف إلى الخارج، ونتيجة تقاعس النواب والوزراء عن ممارسة دورهم المناط بهم، والذين تم تأمين الحماية لهم لإيصالهم إلى المجلس النيابي ،من خلال تأكيد قادة المعارضة على أن الإنتخاب هو للمشروع السياسي وليس للأشخاص، وكانهم قد اعترفوا ضمنا بعجز المرشحين الذين تحولوا نوابا ، عن القيام بمهامهم حيث يقتصر عمل معظم النواب على المشاركة بمجالس العزاء والأعراس والسهرات ، ولا يرهق نفسه مع زملاءه الممثلين لاي منطقة، بوضع مشاريع القوانين لرفع الحرمان والبطالة عن من انتخبه أو من لم ينتخبه .
لماذا لا يتحرك نواب المعارضة على رأس الجمهور للمطالبة بشكل ديمقراطي لتخفيف أسعار البنزين والمحروقات، التي تجاوزت أسعارها ،ما كانت عليه في العام الماضي بينما سعر برميل النفط لايتجاوز نصف سعره.؟
لماذا لا تستخدم المعارضة حقها المشروع لتأمين أوتوبيسات النقل العام و معالجة تقنين الكهرباء؟
. صحيح أن العزة والكرامة أهم من الرغيف، لكن الأهم أن تسعى المعارضة لتأمين الرغيف والعزة والكرامة، وعدم بقاء الناس يمضغون الشعارات السياسية ذاتها ،ولا يتم التطرق للهموم المعيشية من صحة وتربية وبنى تحتية.
فإن جماهير المعارضة قد ارهقت بما تطلبه منه قياداتها، فهي قد اعتصمت معها أكثر من ثمانية عشر شهرا، وقاتلت معها وتحملت التهجير والتدمير، وصبرت على الحصار الاقتصادي وصبرت على التمييز في المساعدات وسرقتها وأعطت في الانتخابات متجازوة كل نقدها لأكثرية من النواب العائدين، لأنها تريد حماية المشروع الوطني المرتكز على حفظ المقاومة والوحدة الوطنية ،وبالتالي فإن الجمهور العام قد اعطى وتحمل أكثر مما يستطيع ومستعد أن يبقى صامدا ويعطي، بشرط أن تعرف قياداته ، استثمار صموده وتضحياته ولا تضيعها مرة، بالمصالح الفئوية الحزبية ومرة بالغرور المرتكز على التبصير السياسي المسمى ( استطلاعات الرأي)، وأن تتعاطى قيادات المعارضة وهي البعيدة عن التواصل مع الجمهور نتيجة الأوضاع الأمنية .
وبالتالي لا تعرف حقيقة مشاعره ومواقفه وتكتفي بما يقوله المستشارون والمعاونون والمسؤولون، والذين لن يقولو إلا ما يسر السامع ،ويستدرج المديح لهم ويعفيهم من المسائلة واقتصرت علاقة زعيم كل طائفة أو أي قائد سياسي مع جمهوره أما بإطلالة سنوية أو عبر الفضاء للتعبئة وشحن الهمم لاستكمال الطريق، ولم يصل الجمهور بعد إلى محطة استراحة وإنما في ترحال سياسي دائم، لقد استدعى تحقيق الثلث الضامن مظاهرات مليونية واعتصام في الشتاء والصيف و7 أيار.. فهل تتخلى المعارضة عن هذه التضحيات وعن هذا المكسب الايجابي الذي لم يعطل عجلة الحكومة، بل عطل الاستئثار والتجاوز ومخالفة القوانين او تربح جماهيرها، التي تمثل السلاح الذي لا يمكن مصادرته ولا محاصرته ولا يمكن للقرارات الدولية أن تسحبه من ايدي المقاومة، هذه الجماهير التي تشكل الضمانة الملموسة والفعالة والأكثر فعالية من كلمات البيان الوزاري، ومن كلمات تقال ليلا وتختفي نهارا، ومن ضمانات لدول يمكن أن تتغير .
المعارضة أمام مفترق حساس إما حفظ جمهورها أو حفظ ألقابها، فإذا ما اختارت المشاركة الشكلية تكون قد وقعت على بيان إعدامها السياسي والتنظيمي ، فتخسر وحدتها البنيوية، وضمانتها المتمثلة بالجمهور ويتحول نوابها ووزراؤها إلى شركاء في حصار الناس أو شهود زور، وكلا الأمرين هدر لتضحيات الأحياء ولدماء الشهداء.
فهل يتحمل قادة المعارضة هذه المسؤلية التاريخية أم يبادرون إلى إعلان حالة طوارئ تنظيمية ومعيشية ، دون إبطاء لإدارة المرحلة بحكمة ومتابعة يومية لحفظ الإنجازات ولتحقيق الأهداف.
والخطوة الأولى الطلب من مكونات المعارضة الحزبية، وكذلك الشخصيات الوطنية المعارضة لتقديم أوراق عمل ومشاريع واقتراحات، حول مشروع المعارضة الوطني التنظيمي والإقتصادي والسياسي والإجتماعي، وإطلاقه في مؤتمر عام وطني، والإستفادة من كل الكفاءات وعدم حصر النقاش والأفكار بالمؤسسات الحزبية، التي لا تستطيع معرفة كل شيئ ،وإن عرفت فليس بالضرورة أن يكون هو الصواب.
فهل تبادر قيادة المعارضة إلى سماع الحريصين عليها والخائفين على مشروعها وليس منها، أم أنها ستبقى في موقع المفكر والآمر، وعلى الناس التنفيذ دون اعتراض وعدم انتظار الإعتذار.